المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- بيع الأراضي في لبنان بين قانون بري وفتوى الإمام شمس الدين ومشروع بطرس حرب ـ حسان القطب
دراسات /
قانونية /
2011-01-04
الثلاثاء 4 كانون الثاني 2011
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بيع الأراضي في لبنان بين قانون بري وفتوى الإمام شمس الدين
ومشروع بطرس حرب
بقلم مدير المركز.. حسان القطب
بيع الأراضي في لبنان بين قانون بري وفتوى الإمام شمس الدين ومشروع بطرس حرب
تحت إدارة رئيس مجلس النواب نبيه بري وبرعاية كاملة من الوصي السوري على لبنان، (اجتمع مجلس النواب اللبناني وأقر في جلسته التشريعية المنعقدة يوم الأربعاء 21/3/2001 مشروع قانون يرمي إلى تعديل المرسوم رقم 11614 بتاريخ 4/1/1969 المتعلق "باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان".... وجاء نص القانون الجديد ليمنع اللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان منذ ما يزيد عن خمسين عاما من تملك العقارات والشقق السكنية إلا بأذن خاص من مجلس الوزراء اللبناني، وهذا يعني حرمان الفلسطيني من امتلاك المسكن المأوى تحت أي ظرف من الظروف)... هذا القانون الذي منع الفلسطيني من التملك بحجة منع التوطين لطمأنة بعض اللبنانيين من الفلسطينيين اللاجئين إلى لبنان.. إقراره كان يهدف إلى توجيه الأنظار إلى أن خطر التغيير الديموغرافي في لبنان هو فلسطيني فقط..!! بينما الخطر الحقيقي هو الذي نعيشه اليوم مع توسع حالات شراء وتملك قطاعات واسعة من الأراضي والشقق السكنية بشكل منهجي ومدروس ومخطط له بدقة وعناية في مناطق تسكنها بشكل أساسي الطوائف الدرزية والمسيحية والسنية.... لذا لم يكن مفاجئً الحملة التي لم تهدأ بفعل العاصفة السياسية التي أطلقها الوزير والنائب اللبناني بطرس حرب حين أعلن عن رغبته في تقديم مشروع قانون يهدف إلى منع بيع الأراضي بين أبناء الطوائف المختلفة..حفاظاً على التنوع الديني والطائفي وللحفاظ على التعددية الطائفية في لبنان.. حيث أكد وزير العمل بطرس حرب أن ("دافعه وراء التقدم بمشروع قانون منع بيع الأراضي بين الطوائف هو المحافظة على الوحدة الوطنية والعيش المشترك"، مستنكرا "الكلام الذي يوحي بخلفية مذهبية للمشروع الذي اقترحته")،.... وكان الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان قد أصدر فتوى مشابهة للقانون الذي يقترحه الوزير بطرس حرب، في 29 تموز/يوليو، عام 1984 تحرم بيع أراضي المسلمين لغير المسلمين ونشرتها جريدة "النهار"، ومما جاء فيها:
("يحرم، ولا يصح شرعا بيع أراضي المسلمين في لبنان لغير المسلمين في الظروف الحاضرة، كما يحرم التسبب في بيعها، فلا يجوز لمالكي الأرض المسلمين أن يبيعوا أرضهم وسائر أملاكهم العقارية أو أن يقايضوا عليها في كل المناطق اللبنانية (...) كما يحرم على المسلمين التسبب في بيع أراضي المسلمين في لبنان لغير المسلمين بطريق الوساطة والوكالة وما يشبه ذلك، فلا يجوز شرعا لأحد المسلمين أن يتولى الوساطة في هذا الأمر، والوكالة فيه محرمة وباطلة"). وأضافت جريدة النهار...واعتبر شمس الدين في فتواه أن كل بيع أو مقايضة للأراضي لغير المسلمين يعتبر عملا باطلاً شرعاً ولا يترتب عليه اثر نقل ملكية الأرض إلى المشتري وملكية البائع لثمنها. وتكمن المبررات التي قدمها نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الراحل في أن الكثير من عمليات بيع الأراضي ومبادلة العقارات ما بين المالكين في المناطق ("لا يتم نتيجة نشاط تجاري واقتصادي طبيعيين، وإنما يتم انطلاقا من توجه سياسي يهدف إلى القضاء على صيغة التعايش في لبنان توصلاً إلى عزل كل طائفة في منطقة جغرافية محددة. ثم إيجاد واقع تقسيمي كامل وصولا إلى إنهاء لبنان دولة ووطناً لجميع اللبنانيين").... ويبدو أن الوزير بطرس حرب قد استند في مشروعه هذا إلى هذه الفتوى وذلك حين أشار في معرض رده على نبيه بري..الذي انتقد مشروع بطرس حرب بالقول.. احترامي للرئيس بري كبير وصداقتي معه لن يهزّها اختلاف في الرأي، لكنّني أختلف مع الرئيس بري بالرأي منذ سنين، ومشروعي هو ترجمة لفتوى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي كان يأخذ الرئيس بري بفتاواه ".
منطلقات الإمام الراحل شمس الدين والوزير بطرس حرب هي واحدة..الحفاظ على التنوع والتعددية.. ومنع الفرز السكاني بين الطوائف والمذاهب الذي قد يؤدي لاحقاً إلى تشكيل كانتونات ومحميات وتجمعات سكنية ذات لون واحد وطابع واحد مما يعني تطبيق التقسيم بصورة ضمنية وبقوة الأمر الواقع، خاصةً وأننا نرى محاولات حثيثة من قبل البعض الذي يسعى لتغيير معالم وجغرافيات مناطق معينة سواء بالاحتلال الأخوي الذي يفرض ممارسة عادات وتقاليد في قلب وعمق مناطق معينة، بهدف إعطائها طابع مرتبط بمشروع عابر للحدود، أو بشراء الأراضي والممتلكات ممن ضاقوا ذرعاً من الأزمات المتواصلة التي تعصف بالوطن ومن الضائقة الاقتصادية التي تتسبب في دفع المواطن اللبناني ليبيع الغالي والنفيس لتعليم أبنائه وتامين الحياة الكريمة اللائقة له ولعائلته أو للخروج من محيط مستجد لا يشعر ضمنه بالأمان والاطمئنان..
والواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه لبنان ليس بسبب غياب الدعم العربي والدولي أو لضعف الحركة الاقتصادية وحركة الدورة المالية الداخلية، بل بسبب افتعال الأزمات التي تؤدي إلى تعطيل المؤسسات الحكومية وترهيب المستثمرين، وغياب الرؤية السياسة... والسياسة الاقتصادية عن أدبيات وخطابات فريق الثامن من آذار/مارس، الذي يقوده حزب الله، خاصةً وانه هو المستفيد الأكبر من هذا الواقع الذي يتعطل فيه النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، الذي يستثمر فيه خطاباته التحريضية ... وقد نشرت جريدة السفير اللصيقة بحزب الله وسياساته تقريراً عن الواقع الاقتصادي اللبناني للمحرر الاقتصادي في الجريدة جاء فيه... (وإذا كان العام 2010 عام الخيبات اللبنانية والعربية على أنواعها، فإن المأمول من العام الجديد، أن يضع حدا للتعطيل الحكومي الذي يترك آثارا سلبية تتخطى الهموم المعيشية والاقتصادية والمالية، إلى مرحلة هي الأخطر وتتعلق بشلل الإدارات والمؤسسات العامة نتيجة غياب الرقابة وانعدام المسؤوليات وانتقال حال التشرذم والتبعيات إلى الجسم الإداري المترهل أصلا. هذا الواقع الشاذ، أفسح ويفسح أمام تعطيل معاملات المواطنين في ظل الفراغ الحكومي الذي ينعكس فوراً تفككاً في الإدارة، بالإضافة إلى حجم الشغور الكبير الذي يصل بين الفئات الأولى إلى نحو 40 في المائة في مختلف الإدارات حسب وزير التنمية الإدارية محمد فنيش)...
من هنا ندرك أن الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية المتكررة والمفتعلة، هدفها دفع المواطن اللبناني لبيع أرضه وممتلكاته والهجرة إما في الداخل اللبناني ليستقر في منطقة يتجانس مع سكانها انتماءً وارتباطاً ليشعر بالأمن والأمان، أو إلى الخارج اللبناني أو بالأحرى الهجرة النهائية من هذا الوطن.... ولهذا لاحظنا تلكؤ وزارة الخارجية في معالجة موضوع تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة... والقوة الشرائية لهذا الفريق حاضرة لتتلقف حالة الإحباط لدى المواطن اللبناني والرغبة في البيع لسد العجز المالي لهذا المواطن أو ذاك...
وقف حالات البيع والفرز السكاني والجغرافي، لا يمنعها قانون ولا مطالبة ولا مناشدة، بل يحبطها ويمنعها تثبيت السلطة السياسية، وتفعيل دور الدولة والسلطة الواحدة، وإطلاق عجلة الدورة الاقتصادية، ووقف الخلل الأمني الذي يهدد بإطلاقه البعض حين يرغب، ليعود لبنان واحة استقرار واستثمار.. حيث حينها يقوم المواطن اللبناني ولأي طائفة انتمى بالاستثمار في أرضه ومنطقته وسائر الأراضي اللبنانية تحت هذا العنوان دون خوف من المجهول ودون الشعور بالغربة داخل وطنه... وتكون حينها حالات البيع والشراء طبيعية ومنطقية تعبر عن حجم الحركة الاقتصادية وجريان الدورة المالية الداخلية.. كذلك يجب العمل على تشجيع الاستثمار في القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية لتامين فرص العمل للشباب اللبناني للحد من الهجرة إلى الخارج.. ليبقى لبنان واحداً موحداً وواحة عيش مشترك..
حسان القطب