المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات- النظام السوري يفاوض إسرائيل ويطلق الرصاص على شعبه ـ حسان القطب
دراسات /
سياسية /
2011-03-28
الإثنين 28 آذار 2011
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
النظام السوري يفاوض إسرائيل ويطلق الرصاص على شعبه....؟
بقلم مدير المركز... حسان القطب
الانتفاضة الشعبية السورية لم تكن مفاجئة كما لم تكن غير متوقعة، فالنهضة العربية التي انطلقت قبل سنوات في لبنان، مرّت في تونس ومصر واليمن وليبيا، نظراً للتشابه الكبير في تركيبة هذه الأنظمة، فكان لا بد أن تمر اليوم على نظام آخر شبيه لها في دمشق، للعمل على تغيير الواقع المرير الذي يعيشه الشعب العربي السوري منذ حوالي نصف قرن، عانى خلاله هذا الشعب من مختلف أنواع الظلم والقهر والعذاب والسجن، والتدليس والخداع السياسي والقومي والعروبي والإسلامي، والشعارات البراقة الكاذبة، فقمع هذا النظام الحديدي شعبه سياسياً وامنياً، مستغلاً القضية الفلسطينية ومعاناة أهلها، فاعتبرها قضيته المركزية، التي تبرر له ممارسة كل شيء لحماية نظامه واستقرار سيطرته على السلطة، تحت شعار مواجهة العدوان الإسرائيلي وخطر المشروع (الأميركي- الصهيوني)، فلم يطلق رصاصة واحدة على المحتلين في هضبة الجولان، بل ومنع مواطنيه من إنشاء مقاومة شعبية وطنية تمارس حقها المشروع في مقاومة المحتل وطرد الغاصبين وتحرير الأرض.. واكتفى بالمفاوضات غير المباشرة السرية أحياناً والعلنية حيناً آخر.. عبر وسطاء وأصدقاء مشتركين.. ولكنه لم يجد وسطاء وأصدقاء وحتى موظفين لمفاوضة شعبه ومناقشة مشاكله ومعالجة شؤونه ومطالبه المحقة في الحرية والكرامة والعدالة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي..
على امتداد أربعة عقود لم يجد النظام السوري الذي ورثه الأسد الابن عن الأسد الأب، ضرورةً ولا وقتاً ولا مبرراً، لمعالجة المشاكل الداخلية والنهوض بالدولة السورية لتواكب طموحات أهلها ومواطنيها.. فاكتفى حزب البعث الحاكم بالعبث بشؤون الدول المجاورة الداخلية، فلم يترك مناسبة لشق الصف الفلسطيني إلا واغتنمها، منذ عهد الراحل ياسر عرفات، وإلى يومنا هذا، مستنداً إلى طموحات بعض المتسلقين والراغبين في احتلال مواقع وحمل ألقاب والاتجار بقضية الشعب الفلسطيني ومعاناته وآلامه.. ولا زال هذا الانقسام سيد الموقف على الساحة الفلسطينية لأسباب غير واضحة بل غير مفهومة.. اللهم إلا أنها بسبب رغبة النظام السوري في لعب دور إقليمي في المنطقة يحمي من خلاله تربعه على عرش السلطة باسم قضية سامية... وعندما وقعت المشاكل الداخلية خلال الأيام الماضية في سوريا، تخلى النظام عن أتباعه من هذه القوى، وكان أن اتهمت مستشارة بشار الأسد السيدة بثينة شعبان أبناء المخيمات الفلسطينية في اللاذقية ودرعا بالاعتداء على المواطنين وإحراق الممتلكات العامة، وإشعال روح الفتنة بين المواطنين السوريين..وكان الأحرى بها أن تناقش بموضوعية مطالب هذا الشعب وبلسمة جراحه والإذعان لمطالبه.. وقد جاء الرد من حليف النظام السوري التاريخي، أحمد جبريل حين قال... (نفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة أحمد جبريل أن يكون فلسطينيون من مخيم الرمل في اللاذقية شاركوا في الأحداث التي شهدتها المدينة يوم أمس، مطالبا بضرورة توضيح الصورة رسمياً بعد ما قيل عن هذا الأمر. وشدد جبريل في تصريح لصحيفة 'الوطن' السورية على إنه 'لم يشارك أي فلسطيني من مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين الواقع جنوب مدينة اللاذقية في الأحداث التي شهدتها المدينة أمس'، موضحاً أن 'من نزل إلى اللاذقية وشاغب هم سكان تجمع ملاصق لمخيم الرمل ويقع إلى الجنوب منه ولا يفصل بينهما إلا مسيل ماء، ويقطنه فقراء من محافظة إدلب وبلدة الحفة في اللاذقية')... حتى في معرض الرد لم يجد جبريل بداً من الإشارة إلى الظروف المعيشية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري في الضواحي وكذلك في المخيمات... وفي لبنان لم يجد أتباع هذا النظام من القوى اللبنانية التي زرعتها أيادي النظام، سوى تحريك بعض العمال السوريين الذين يتوقون ليوم الخلاص من هذا النظام والعمل في بلادهم وفي أرضهم وممتلكاتهم، بدل العمل في دول مجاورة... وتطوع إعلام حزب الله وحركة أمل في نقل صور هذه المظاهرات المبرمجة إعلامياً والإضاءة على حجمها وهتافاتها.. ولكنهم تجاهلوا مظاهرات الشعب السوري، وأغفلوا الإشارة إلى الضحايا التي سقطت من أبناء هذا الشعب الصابر من شهداء وجرحى، على يد جلاوزة النظام، لمطالبتهم بالحد الأدنى من الإصلاحات التي لم يعد يتجاهلها في هذه المنطقة سوى النظام السوري وحليفه النظام الإيراني..
لقد تحدى الشعب السوري بتحركه الأخير هذا، عقدة الترهيب والخوف من المواجهة التي زرعها النظام في نفوس المواطنين، وأدرك المواطنون أن للحرية ثمناً لا بد من دفعه لكي يتم التحرر والنهوض بالوطن، وعودة المهجرين السوريين من الخارج بعد سنوات طوال من الهجرة المفروضة، والتي قطعت أوصال العائلات وشتت أبنائها نتيجة سياسات القمع والترهيب والإذلال بقوة السلاح وقوانين الاعتقال الجائرة بدون محاكمات وقانون الطوارئ، والوشايات الكيدية والأجهزة القمعية..
هذا النظام الذي يشتري استقراره بتدخله في شؤون غيره وإثارة النزاعات الطائفية والعرقية والحزبية في الدول المجاورة ورفع شعارات المقاومة والممانعة، دون ممارستها على الإطلاق.. وجد نفسه فجأة في مواجهة شعبه الذي لم يعد قادر على تحمل سياسات التجاهل... فانبرى يكيل الاتهامات للخارج بالتدخل في شؤونه الداخلية، وبدل الاستماع لمطالب شعبه المحقة والموضوعية، اتهم مندسين ومرتزقة، وعوض الجلوس إلى طاولة الحوار لمعالجة الشأن الداخلي بجدية أطلقت المستشارة الإعلامية جملة وعود لا أكثر لذر الرماد في العيون على طريقة الأنظمة التي سبق وسقطت بالأمس في تونس ومصر وغداً في ليبيا واليمن..لذا يبدو أن مطالب الجماهير السورية اليوم من النظام بعد هذه المظاهرات هو:
- إلغاء قانون الطوارئ.
- إلغاء حكم الحزب الواحد
- الإفراج عن المعتقلين السياسيين والإعلاميين
- تشكيل لجنة حوار وطني تضم كافة القوى السياسية السورية
- تشكيل حكومة وحدة وطنية سورية تضم مختلف القوى السورية وشرائح المجتمع السوري
- إجراء انتخابات حرة ونزيهة نيابية ورئاسية
- نظام قضائي مستقل
- وضع قانون ينظم الحريات السياسية والإعلامية
- عودة المهجرين السوريين من الخارج وكافة القيادات التي أجبرت على الخروج من سوريا
- الالتفات إلى المشاكل الداخلية السورية ومعالجتها من سياسية واقتصادية واجتماعية
- عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة وبناء علاقات طيبة مع الدول العربية
- إلغاء أجهزة المخابرات التي تلاحق المواطنين على غرار ما قام به النظام المصري بعد إقصاء مبارك
هذه بعض النقاط التي سمعناها والتي في حال تمت مناقشتها ومعالجتها قد يستطيع بشار الأسد السقوط بالطريقة التي سقط بها زين العابدين بن علي وحسني مبارك.. والاستجابة لمطالب الشعب والاستماع لصوته لا تشكل خسارةً بقدر ما هي تشكل حصانةً لاستقرار سوريا وتجنب الوصول إلى ما وصلت إليه ليبيا من تدخل أجنبي برره إطلاق قوات القذافي النار على شعبه مستخدماً كل أسلحته بما في ذلك الطيران.. وهذا ما مارس جزءاً منه النظام السوري.. وكلنا يذكر الغارات الإسرائيلية على سوريا ومنها موقع (الكبر) النووي السوري.. والذي لم ترد عليه سوريا بانتظار الوقت المناسب والملائم.. ورغم ذلك يفاوض الأسد دولة إسرائيل التي تحتل الجولان السوري.
ألم يكن أجدى بهذا النظام الرد على المظاهرات الشعبية بأن يفاوض شعبه والحوار معه حول مطالبه بدل إطلاق النار عليه، أم انه وجد الوقت ملائماً لإطلاق النار على مواطنيه العزل.. رغم انه لا يزال بانتظار الوقت المناسب والملائم للرد على عشرات الاعتداءات الإسرائيلية..؟
حسان القطب