الرأي - قراءة في تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي - نجدت الخطيب
إعلام وصحافة /
تاريخية /
0000-00-00
الرأي../ نجدت الخطيب
قراءة في تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي
النشأة والطريق
شكل يوم السابع من نيسان 1947 الذي صدر فيه البيان الختامي لأعمال المؤتمر الأول لحزب البعث منعطفاً كبيراً في تاريخ سورية
لقد دعا البيان لحماية الاستقلال الوطني والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين ودعا الحكومات العربية إلى تعزيز الديمقراطية وإعادة النظر في المعاهدات والامتيازات المعقودة بين الدول العربية والشركات الأجنبية.
كما قام الحزب بإقصاء الفكر العنصري عن مركز القرار، وكان ذلك تطوراً هاماً في فكر الحزب ونضوجه السياسي.
وأدرك الحزب أهمية الاشتراكية، فالتقى مع الحزب العربي الاشتراكي وكونا حزب البعث العربي الاشتراكي. وتوصل الحزب في عهد الطاغية أديب الشيشكلي إلى ضرورة التحالفات الواسعة لإسقاط النظام الدكتاتوري، فكسر طوق العزلة فتشكلت في البلاد جبهة شعبية مدنية وعسكرية دكت أركان الدكتاتورية التي فرضها الشيشكلي.
وعمقت هذه التجربة فكرة التحالفات لدى الحزب مع القوى الوطنية، وخاصة حزبنا الشيوعي السوري، فكان التجمع القومي البرلماني الذي لعب دوراً كبيراً في تمكين سورية من إسقاط المشاريع الاستعمارية وتوطيد علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية. وانتقل التحالف بين حزب البعث والأحزاب الوطنية إلى مواقع متقدمة بين قواعد هذه الأحزاب وجماهيرها في الانتخابات التكميلية عام 1955 واتفاقها على مرشح واحد تكلل بنجاح السيد أحمد الحاج يونس في حمص والأستاذ رياض المالكي في دمشق. وقد أعطت هذه الانتخابات النتائج التالية:
1ـ توجيه ضربة موجعة لحكومات تحالف البرجوازية والإقطاع.
2ـ توجيه صفعة قاسية للرجعية ممثلة بحزب الإخوان المسلمين ومرشحهم مصطفى السباعي.
3ـ فتح أفاق واسعة رحبة أمام تعاون القوى الوطنية والتقدمية وخاصة فيما بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري، وشكلت هذه السياسة الصائبة لحزب البعث رافعة سياسية ساعدته على الانتشار الواسع والسريع في معظم المحافظات السورية ومثلت هذه المرحلة أعظم فترة نهوض شعبي في تاريخ سورية.
مرحلة الوحدة
بحماسة شديدة وافق حزب البعث على الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية وفق الشروط التي وضعها النظام المصري، وكان أشدها خطراً هو حل الأحزاب السياسية وتطبيق نظام الحكم العسكري الأمني القائم في مصر على سورية الديمقراطية واستقبلت الرجعية المهزومة هذا الحدث، وأظهرت تأييدها للوحدة وبدأت بإثارة الوقيعة بين قيادة دولة الوحدة وبين قيادة حزب البعث.
وقبل أن تنتهي الحملة المحمومة ضد الحزب الشيوعي بدأت حملة منظمة وبشعة ضد حزب البعث.
وأدرك البعث أنه ارتكب خطأً كبيراً، وأنه وقع في مكيدة دبرت له وللحركة الوطنية الديمقراطية الناهضة في سورية. فسارع إلى الرجوع عن قرار حل الحزب وعقد مؤتمره القومي الثالث دعا فيه إلى حماية الجمهورية العربية المتحدة. ثم عقد مؤتمره القومي الرابع الذي جاء فيه:
1ـ إدانة قرار حل الحزب.
2ـ يلاحظ المؤتمر الرابع أن الديمقراطية وفي الشرط الأساسي لتطوير المجتمع العربي أمست مفقودة في كثير من الأقطار العربية.
3ـ نبه الحزب وحذر من المخاطر التي تتعرض لها الوحدة.
وعندما وقع الانفصال ولم تجد دولة الوحدة من يدافع عنها شعر البعثيون بفداحة الخطأ الذي ارتكبوه حين قبلوا بقرار حل الأحزاب السياسية.
ورغم الخلافات الشديدة التي تركها حكم الوحدة في الحزب وكذلك الموقف من الانفصال، استطاع الحزب أن يعقد المؤتمرين الثالث والرابع في ظل سياسة القمع والإرهاب الأمر الذي عبر عن حيوية الحزب وقدرته على إعادة بناء نفسه من جديد.
مرحلة استلام السلطة
إذا كان الخطأ الذي ارتكبه الحزب بحل نفسه فادحاً وخطيراً، فإن الخطأ الأكثر ضرراً هو إقدام الحزب على الانفراد بالسلطة حين اتبع سياسة إلغاء الأحزاب وإقصائهم بدءاً من شركائه في ثورة الثامن من آذار عام 1963 من وحدوين وناصريين وغيرهم. وانتهاء بإلغاء كل القوى السياسية في سورية عندما أعلن شعار الحزب الواحد. ونظر إلى الأحزاب والقوى الأخرى على أنها عناصر وطنية أو تقدمية، وتعامل معها كأفراد وليس كأحزاب. ورغم التحول من شعار الحزب الواحد إلى شعار الحزب القائد بعد قيام الجبهة الوطنية التقدمية إلا أن الممارسات بقيت كما هي، بل استفحلت و اشتدت تمييزاَ و تحزباً في جميع المجالات وفي مختلف مناحي الحياة حتى لقمة العيش.
إن تحول حزب البعث من حزب جماهيري شعبي في مرحلة الخمسينيات إلى حزب سلطة وحكم منذ أوائل الستينيات حتى اليوم فتح الباب على مصراعيه لدخول عشرات الألوف من المنتفعين، وأدى ذلك إلى جملة من الأمراض الخطيرة تفشت في الحياة الحزبية والسياسية والاجتماعية.
إن اعتماد حزب البعث في تثبيت السلطة على أجهزة الدولة أبعد الحزب عن الجماهير الشعبية، وتحولت شرائح واسعة منه إلى طبقة من المستفيدين.
إن حزب البعث هو حزب وطني في النشأة والأهداف وطريق النضال، وهو يملك تراثاً كبيراً من النضال والتضحية من أجل الديمقراطية. لهذا واجه الحزب كل الدكتاتوريات العسكرية بدءاً من الزعيم وانتهاء بحكم الوحدة. وتعرض أعضاؤه للمطاردة والسجن والإرهاب، تلك السياسة أوصلت الحزب إلى البرلمان بـ17 مقعداً في عام 1954. كما أن حزب البعث قاد كل التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة وحقق العديد من المكتسبات الاجتماعية، ومازال يلعب دوراً هاماً في جبهة الممانعة للمخططات الإمبريالية. ولكن باسمه ارتكب الوصوليون الانتهازيون و فئات البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية كل التجاوزات والمفاسد الاجتماعية التي أنهكت الحزب والمجتمع معاً. ونقول للمؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي كما قال الرفيق المرحوم دانيال نعمة: نحن لا نتمنى نهاية لحزب البعث كالنهاية التي وصل إليها الحزب الشيوعي السوفيتي.
ويبدو الآن أن الإصلاح السياسي يجب أن يبدأ من حزب البعث العربي الاشتراكي لتخليصه من الأمراض السلطوية وإعادته إلى ميدان العمل الجماهيري، ليلعب دوره الحقيقي جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في البلاد، التي تمد يدها للتعاون في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني والمروجين له. ولنقف جميعاً سداً منيعاً في مواجهة الأخطار الداهمة وتجنيب بلادنا الويلات والمآسي والدمار والموت الذي يتعرض له الشعب العراقي الشقيق.