المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - أسباب الثورات العربية.. سوريا نموذجاً..!!
الإثنين 17 شعبان 1432 هـ الموافق 18 تموز 2011 م
أسباب الثورات العربية.. سوريا نموذجاً..!!
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
قبل فترة ليست ببعيدة كانت معظم قيادات الدول العربية التي مضى على وجودها في السلطة عقوداً من الزمن، تفكر في تأمين عملية توريث أو انتقال للسلطة إلى من تراه مناسباً ليتابع مسيرتها السياسية والأمنية، بطريقة هادئة تتضمن شكلاً دستوراً وديمقراطياً، ولكنها في حقيقة الأمر تتم وفق أصول وأساليب ديكتاتورية لا تراعي رأي الشعب ولا توجهاته ولا رغبته في التغيير والتطوير، واستندت هذه الديكتاتوريات في تفكيرها إلى حالات متعددة تمت فيها سابقاً عملية انتقال للسلطة في أنظمة دول جمهورية وليست ملكية تحت سقف البرلمان أو مجلس الشعب وبالتصويت، وهذا ما جرى في سوريا عام 2000، بعد وفاة حافظ الأسد، حيث تم تعديل الدستور ليتاح لولده بشار أن يحكم سوريا بإرادة شعبية انطلقت من مجلس الشعب وتحت سقفه..؟؟ ولم يتم تسجيل أية حالة اعتراض شعبية أو حزبية وحتى دولية على هذا الانتقال للسلطة من الأب إلى الابن في دولة جمهورية وضمن أطر حزب يقدم نفسه على انه حزب قومي شعبي يحمل في فكره طموحات وتطلعات الطبقة والشريحة الأوسع من أبناء شعبه ويجسد رغبتهم في تعميق أسس النظام الجمهوري والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وتثبيت مبادئ الكفاءة والنزاهة والخروج من دولة العشائر والقبائل والعائلات والتباينات الدينية والعرقية..؟ هذه التجربة شجعت عدد من زعماء الدول العربية على تكرارها..؟؟
ولكن فجأة ودون مقدمات اندلعت سلسلة من الثورات في العالم العربي التي بدأت في دولة تونس وامتدت إلى مصر، ولا تزال مشتعلة في العديد من الدول العربية، وجميع هذه الثورات تطالب التغيير الشامل والكامل لهذه الأنظمة ورموزها دون استثناء. قد يكون صحيحاً أن الانتفاضات والثورات الشعبية العربية قد انطلقت دون مقدمات ظاهرة أو بارزة للعيان بحيث فشل معظم المراقبين السياسيين في توقع حدوثها أو انطلاق شرارتها. ولكن ما أشعل هذه الثورات هو تراكم ممارسات وتصرفات قادة وأحزاب هذه الأنظمة على امتداد سنوات طويلة وقاسية من إمساكهم بالسلطة وممارستهم التسلط، والاختباء خلف مؤسسات إعلامية تعمل للترويج لهم ولأشخاصهم ولعائلاتهم وإخفاء ممارساتهم، والاستناد إلى مؤسسات وأجهزة أمنية تعمل على قمع وإخماد وإخفاء كل صوت حر ومعارض، والاعتماد على انتمائها القبلي والعشائري والحزبي والديني والعرقي إضافةً إلى ارتباطهم بقوى خارجية لحمايتهم ورعايتهم، مما أعطى قادة هذه الأنظمة فرصة الاستمرار على رأس السلطة والتحكم بمصائر شعوبها وثرواتها ومستقبلها.. لذا فإن الثورات العربية التي اندلعت اليوم ولا تزال هي حالات شعبية جماهيرية ليست ذات طابع حزبي أو أنها على الأقل منظمة بشكل جيد ضمن مؤسسات وأطر ومؤسسات تسعى للانقلاب على السلطة والإمساك بها. ولهذا السبب فإننا نرى وإلى اليوم أن معظم الانتفاضات العربية والثورات الجماهيرية لا تزال تعقد لقاءات ومؤتمرات تبحث وتدرس كيفية تنظيم حراكها وتطوير انتفاضاتها وصولاً لتحقيق تغيير حقيقي في بنية السلطة وتركيبتها وتفادي الوقوع في فخ تكرار التجربة عينها مع أشخاص جدد وأحزاب جديدة..ولكن هنا لا بد لنا من إلقاء بعض الضوء على الدوافع الحقيقية التي دفعت هذه الشعوب للانتفاض على السلطة الحاكمة والسعي لتغييرها، وبما أن الثورة السورية لا تزال مشتعلة وملتهبة، وبما أن التشابه موجود وبقوة بين حالة وطبيعة النظام السوري وسواه من الأنظمة العربية، لذا يمكن القول أن بعض هذه الأسباب التي دفعت الشعب السوري والشعوب العربية للانتفاض هي:
- التوريث، أو الجمهورية الملكية: لقد كان انتقال السلطة في سوريا عقب وفاة حافظ الأسد إلى ابنه بشار عملاً يتناقض مع مبادئ حزب البعث القائمة على رفض النظم الملكية، كما كان لا يتوافق مع منطق الهرمية الحزبية التي تقوم على تقديم الأفضل من الكفاءات الشعبية داخل الأطر الحزبية لتتبوأ المواقع الأساسية والأمامية في الحزب والسلطة، فكان تعديل الدستور ليتمكن بشار من تسلم السلطة خلفاً لوالده من نائب والده عبد الحليم خدام، برعاية أمنية وعسكرية، أول تناقض مع هذه المفاهيم، وحتى مع مبادئ حزب البعث الحاكم وتثبيتا لمفهوم الجمهورية الملكية، وإشارة إلى عدم احترام رغبة الشعب السوري وحريته في اختيار الأكفأ والأصلح لقيادة البلاد.
- الحالة الطائفية: قد تتباين هذه النقطة بين دولة وأخرى فقد تكون الحالة الطائفية موجودة في دولة وقد تكون العشائرية أو العرقية في حالة دولة أخرى ولكنها مشكلة متشابهة في كل حال. ولكن في حالة سوريا فقد كان استناد حافظ الأسد محلياً لحماية نظامه، ومن بعده بشار على ميليشيات أمنية (الشبيحة) وهي ذات انتماء طائفي محدد، أما إقليمياً فكان بتعميق التحالف مع دولة دينية ذات فكر ديني وعقائدي معين ومصالح قومية تتضارب مع مصالح الأمة العربية بل هي في حالة حرب معها، وهذا يتناقض مع ثقافة معظم أبناء الشعب السوري، ومع فكرة قيام الدولة المدنية التي يعيش فيها كافة أبناء الشعب جنباً إلى جنب بمساواة وعدالة مهما اختلفت انتماءاتهم وثقافاتهم.. واليوم يستخدم هذا الواقع الذي صنعه النظام للترهيب من قيام حرب طائفية في سوريا..؟؟
- الوضع الاقتصادي: من الواضح أن القاسم المشترك بين كافة الثورات العربية والانتفاضات الجماهيرية في كافة الدول العربية هي الوضع الاقتصادي المتردي، فنسبة البطالة مرتفعة للغاية ولا يوجد إحصاءات دقيقة لمعرفة حجم البطالة ولا يوجد مؤسسات رسمية تعمل على معالجة هذه المشكلة ووضع الحلول المناسبة للعمل على استيعاب القوى العاملة الناشئة التي تتخرج سنوياً من جامعات ومؤسسات مهنية وتربوية مختلفة، مما يدفع بعدد كبير من خيرة مثقفي ومتعلمي هذه الدول وبالتحديد سوريا إلى الهجرة للخارج حيث ذكرت إحدى النشرات العلمية أن 24000، طبيباً سورياً يعملون خارج سوريا. فالنظام السوري ومثله سائر الأنظمة القمعية تنفق ثروات شعوبها على تنمية وتطوير وتفعيل مؤسسات أمنية تعمل على حفظ السلطة وحمايتها وتأمين استمرارها وتداولها..
- الحريات السياسية والإعلامية: الأحزاب الحاكمة سمحت لنفسها بممارسة العمل السياسي والإعلامي على شكل واسع ولكنها قامت بحرمان شعوبها من حقها في تشكيل أحزاب، وممارسة حقها في العمل السياسي ومن حرية التعبير فاحتكرت هذه الأنظمة حق إنشاء الوسائل الإعلامية وإدارتها، وجعلت منها أبواقا لها وصدىً لتوجهاتها ورغباتها فغاب عن الإعلام الرسمي الذي تمسك به هذه الدول كل أوجه النقاش والحوار والانتقاد باستثناء تمجيد الرئيس وعائلته وسلطته وحزبه، وإدانة خصومه في حال وجودهم أو التحذير من المؤامرات القادمة التي تستهدف الزعيم والقائد ومواقفه والحزب وأعضائه ومحبيه وليس الشعب والكيان والأمة...؟؟
- الفساد: كافة الأنظمة التي تعاقبت على حكم الدول العربية منذ استقلالها، كان شعارها محاربة الفساد في الإدارة والسلطة وحماية المال العام..ولكن الواقع مختلف تماماً، بل هو يختلف مع تسلم هذا الفريق أو ذاك لزمام السلطة، وقد تبين أن مشاكل الرؤساء المخلوعين أو الذين هم على طريق التغيير هي فساد عائلاتهم وإمساكهم بمفاصل إدارية وأمنية تمكنهم من الاستيلاء أو الاستبداد بالحركة المالية في البلاد، والهيمنة على طرق الاستثمار بحيث لا يمر إلا من خلالهم وعبرهم مع ما يراكم لهم هذا الأمر من ثروات وأموال تحجب عن مواطني هذه الدول وشعوبها، وحكاية قريب الأسد (رامي مخلوف) وغيره كثير ليست بعيدة عن الأذهان والذاكرة أيضاً..
- القضية الفلسطينية: إنها قضية الأمة المركزية وفي سبيلها تهون كل التضحيات، وعلى هذا الدرب وتحت هذا الشعار استطاع حكام هذه الشعوب وبعض أحزابها استغلال الشأن الفلسطيني أيما استغلال، من قمع وتسليح تنفق عليه ثروات وأموال طائلة ليتبين بعدها أن هذا السلاح إما لخوض حروب إقليمية مع دول شقيقة أو لقمع الشعوب وإرهابها، ولنا نحن في لبنان (لبنانيين وفلسطينيين) مع النظام السوري حكاية مريرة وتجربة قاسية ومعاناة طويلة في هذا الشأن وتحت عنوان فلسطين وحماية الشعب الفلسطيني وقضيته..وحماية لبنان من المؤامرة الصهيونية؟؟
معاناة شعوبنا العربية متشابهة ومتقاربة وأسباب انتفاضاتها سواء في الشمال الإفريقي أو في سوريا واليمن تكاد تكون واحدة وإذا كنا قد عددنا بعض الأسباب، فلا شك أن هناك أسباب أخرى يختص بها كل شعب وكل وطن ولكنها كانت كافية لتشعل ثورة وانتفاضة، والاستعداد لتقديم التضحيات والشهداء والدماء لتغيير هذا الواقع المؤلم. ولكن تبقى العبرة في انجاز عملية التغيير نحو واقع أفضل يقودنا نحو مستقبل زاهر ومزدهر، وأن لا نقع في فخ تكرار نماذج سلطوية فاشية جائرة تمسك برقابنا ورقاب أبنائنا لعقود قادمة وحتى لا ندفع ثمن التغيير مرة أخرى..
hasktb@hotmail.com