كلمة المناضل - في ذكرى التأسيس والثورة والجلاء ما هو جوهر الصمود ؟
إعلام وصحافة /
تاريخية /
1988-04-01
كلمة المناضل العددان 218ـ 219 آذار ـ نيسان 1988
في ذكرى التأسيس والثورة والجلاء
ما هو جوهر الصمود ؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ونحن على أبواب ذكريات الأربعينات لاستقلال سورية في السابع عشر من نيسان 1946 وتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان 1947 ، وكذلك الذكرى الخامسة والعشرين لثورة البعث في القطر العربي السوري في الثامن من آذار 1963 ، في استذكار تلك الأحداث العظيمة الأثر في صياغة التاريخ العربي المعاصر ، لا بد لنا أن نتذكر كذلك إننا على أعتاب ذكرى مؤلمة في الوقت نفسه ، وهي ذكرى اغتصاب فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948 من قبل عصابات الصهاينة المحتلين الذين توافدوا من أنحاء شتى من العالم لاغتصاب أرضنا وحقنا وتشريد شعبنا وإنشاء الكيان العنصري الإمبريالي الغريب وسط وطننا لمنع العرب من تحقيق حريتهم ووحدتهم وبناء مستقبلهم ، ولا ستنزاف طاقاتهم وتشتيت جهدهم وإبقاء معظم أجزاء الوطن تحت الهيمنة والسيطرة والتأثير الإمبريالي في وقت بدت فيه أمام الأمة العربية آفاق الاستقلال والتحرر والخلاص الاجتماعي تلوح في الأفق حيث كان استقلال سورية أول بشائرها . فليس غريباً هذا التوقيت لقيام الكيان الصهيوني بعد استقلال سورية مركز النضال القومي ، وبعيد تأسيس الحزب رسميا بفترة وجيزة ، ذاك الحزب الذي كان وما يزال وسيبقى همه الأول وحدة العرب ، وحريتهم ، وبناء دولتهم المستقلة المحررة ، وتأسيس المجتمع العربي الاشتراكي الذي هو طموح كل الوطنيين والتقدميين في الوطن الكبير . وكان شغل الحزب الشاغل قبل وبعد التأسيس هو مقاومة الغزو الصهيوني الإمبريالي لفلسطين ومقاومة إنشاء ذلك الكيان الأجنبي الغريب على الأرض العربية بوسائل وسبل شتى .
لقد رأت الصهيونية العالمية المدعومة من القوى الاستعمارية ذلك الوقت أن في تحرر سورية واستقلالها ، وتأسيس الحزب بأهدافه القومية التحررية ، ذوات المضمون الاجتماعي الاشتراكي ذلك الوقت ، رأت في ذلك خطراً كبيراً على المصالح الاستعمارية القديمة التي تسعى لتحقيقها . وكذلك رأت القوى الاستعمارية التي كانت تحتل أجزاء من الوطن العربي أن هناك خطراً حقيقياً من استمرار ذلك النهوض القومي، فتوحدت مصالح كل من الاستعمار والصهيونية والتقت أهدافهما ، مما سارع في إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 .
ومنذ ذلك الوقت ، وفي كل احتفال لسورية بذكرى الجلاء أو للحزب وجماهيره بذكرى التأسيس ومنذ قيام ثورة آذار وفي كل ذكرى لها ، يمر بخاطر البعثيين والقوميين والتقدميين ذكرى اغتصاب فلسطين ، مما يؤكد الربط الوثيق بين هذه الأحداث الإيجابية العظيمة الثلاثة وذلك الحدث المأساوي . وفي كل مناسبة وكل عام يؤكد الرفاق البعثيون موقفهم المبدئي الذي لا يحيدون عنه الا وهو تحرير فلسطين من الصهاينة المغتصبين . ويزيدون من قناعتهم يوماً فيوما بذلك الهدف السامي ويحشدون ما يستطيعون من قوة وجهد وعمل فكري ونضال سياسي ، سواء كان ذلك في القطر الذي تقوده ثورة الحزب في سورية أو في منظماتهم القومية في الوطن وخارجه ، وفي عملهم بين الجماهير والقوى السياسية والاجتماعية والفكرية التي يحتكون بها ويتفاعلون معها ، يفعلون ذلك كله لتثبيت قناعاتهم وقناعات الآخرين بأن لا طريق في فلسطين غير العروبة ، ولا سيادة إلا للعرب ، وسيأتي اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين كما تحررت من غزاة سابقين وتعود إلى وطنها الأم . .
إن أحداث الانتفاضة في الأشهر المنصرمة من هذا العام ، وما حملته من دلالات عميقة في الوجدان العربي وفي الرأي العام العالمي ، وكذلك من تأثيرها في القوى الداعمة للكيان الصهيوني التي تحاول إخراجه من مأزقه بتقديم مشاريع قديمة في ثياب جديدة ، أحداث الانتفاضة الباسلة داخل فلسطين والأراضي العربية المحتلة ، ودماء مئات الشهداء الذين قضوا وهم يرددون "فلسطين عربية .. فلتسقط الصهيونية.." تؤكد من جديد أن المبادئ التي رسمها حزبنا ، وما يزال يدعو ويناضل في سبيل تحقيقها منذ أكثر من أربعين عاماً ، ورسختها كذلك ثورة آذار منذ قيامها وعلى مدى خمسة وعشرين عاماً ، تؤكد أن تلك المبادئ تزداد اليوم رسوخاً في ضمير المناضلين ، وأي تنازل أو تفريط بها يمثل خيانة قومية يجب مقاومتها ودحرها ، وكما أكد الأمين العام للحزب في الذكرى الخامسة والعشرين لثورة آذار الرفيق حافظ الأسد حين قال : " يجب ألا نمل ، يجب أن نقاوم التعب ، ليس الأهم أن نخفف متاعبنا ، وليس الأهم أن نحسم صراعنا غداً ، بل الأهم ألا نفرط بحقوقنا وتاريخنا مهما كانت التضحيات جسيمة ، وهذا هو جوهر الصمود " .