المسألة البيئية واشكاليّة التلوّث في لبنان
ندوات /
بيئية /
1995-04-11
المسألة البيئية واشكاليّة التلوّث في لبنان
المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا
الثلاثاء 11نيسان, 1995
الساعة السادسة
قاعة المحاضرات
المشاركون:
- الدكتور ناجي قديح, أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية واختصاصي في قضايا البيئة والتلوُّث.
- التقديم وإدارة الجلسة الدكتور حمد الطفيلي أستاذ في الجامعة اللبنانية ورئيس جمعية حماية البيئة.
الشريط الاول
كلمة رئيس المركز الثقافي للبحوث والتوثيق الدكتور مصطفى الدندشلي:
أيّها السيّدات والسادة, أيّها الأصدقاء الأعزاء أرحب بكم أحسن ترحيب. واسمحو لي بدايةً أنْ أتوجّه بالشكر العميق الى الصديقَين الكريمَين المحاضرَين في هذه الامسية, الصديق الدكتور ناجي قديح وهو أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية واختصاصي في قضايا البيئة والتلوّث. وأرحب ايضاً بالصديق العزيز الدكتور حمد الطفيلي وهو زميل لنا في الجامعة اللبنانية ورئيس جمعية حماية البيئة في لبنان.
الموضوع المطروح في هذه الأمسية هو موضوع الساعة ليس فقط في لبنان وانّما في العالم أجمع. قضية التلوّث ومشاكل البيئة وما ينتج عنها من أضرار على صحّة الإنسان والمجتمع, أمور أعتقد أنّها اصبحت عامّة بشكل أنّ المواطن العادي أصبح على معرفة بها الى حد ما. ونحن في المركز الثقافي وكما تعلمون نحاول أن نقوم بنشاطاتنا الثقافيّة المتنوّعة كي نستطيع أن نلقي ضوءاً شاملاً, ونطرح مختلف القضايا التي يشعر بها المواطن من الزوايا المتنوعة والمختلفة. وفي كل ندوة وفي كل موضوع مطروح للنقاش ندعو إختصاصيِّين للحديث أمام جمهورنا الكريم في صيدا والجنوب والمنطقة. وكما هو في هذه الأمسية دعَونا إختصاصيَّين معروفَين في الاوساط العلمية. لذلك لن أطيل, خوفاً من أن أقع في مطبّات وأخطاء. وسأترك الحديث بدايةً الى رئيس الجلسة الدكتور حمد الطفيلي لكي يقوم مكاني بالتقديم وإدارة الجلسة. وشكراً لكم.
الدكتور حمد الطفيلي:
لا بدّ من كلمة شكر أساسية ومهمّة لرئيس هذا المركز, الذي لا يترك فرصة للبحث العلمي أو وضوح الرؤية من سياسية, فكرية, إجتماعية, إقتصادية وحتى بيئية إلّا ويدنو منها مستكشفاً ومتعرفاً وباحثاً وعميقاً, نعتزّ بصداقته وبمركزه. أيّها الأخوة إن موضوع البيئة هو موضوع عالميّ يشغل الكرة الارضية بأكملها. لذا بعد اشتداد خطورة الملوّثات ككل في العالم تداعت مائة وستون دولة على مستوى رؤساء الجمهوريات والحكام والامراء والملوك. واجتمعوا سنة 1992 في عاصمة البرازيل "الريو" وأصدروا مفكرة هامّة (جدول أعمال القرن الحادي والعشرين) التي لاتزال موضع اهتمام كل المهتمّين بالشأن البيئي في كل انحاء العالم. ولا ندخل في تفاصيل تلك المفكّرة لأن فيها من المشاكل ما يُتعب ويُنهك ويحتاج الى عشرات السنين والى عقود عديدة من العمل. ويُقال أنه إذا بدأنا بالعمل الفعلي للتخلّص من بعض الملوّثات, وخاصة الملوّثات الصناعية, يلزمنا أن نعمل لغاية عام 2060 كي نتمكن من التخلّص من جزء كبير منها وليس جميعها.
إنما نحن هنا بصدد تناول المسألة البيئية وبعض اشكاليّات التلوّث في لبنان. وكي لا نعمّم وتكون الصورة أكبر من واقعنا أو موقعنا, فلنبدأ بأنفسنا قبل أن ننظر الى غيرنا. وخاصة بعد أن أخذ التلوّث المنحى الخطير وأصبح يهدّد كل بقعة من بقاع وطننا لبنان.
إنّ المسلَّمة الأساسية التي ينطلق منها التّخطيط الصحيح للبيئة في لبنان هي ضرورة وجود قاعدة معلوماتية ومختبرات علمية, تحلَّل بضوئها كافة المعطيات بشتى آثارها. وتحديد الإحتياجات اللازمة والضرورية لمكافحة الملوّثات, وإجراء خطوات ناجحة في سبيل التنمية وفي سبيل تحسين البيئة. هذا المنظور للبيئة أيّها الأخوة والأخوات يقوم بين الدولة بإداراتها المختلفة وبين المجتمع بكل هيئاته المتعددة على أساس اجتماعي اقتصادي بيئوي متكامل. إن المنطلق الأساسي للمسألة البيئية هو معرفة حدود مواردنا وإمكاناتنا الطبيعية والبشرية. ومعرفة توجيهها بما يتماشى مع توجّهات المجتمعات المتطوّرة أو المتقدّمة التي تَعتبر أن مؤشّرات سلامة البيئة من أهم المؤشرات النوعيّة للحياة البشرية. إنْ لم نصل في مجتمعنا اللبناني الى المشاركة الحقّة والفعليّة ما بين الهيئات الحكومية والهيئات غير الحكومية من جمعيات وخبراء في تسيير سياستنا البيئية وتنفيذ خطتنا, فلن يكون باستطاعتنا النهوض الكامل ومجاراة العصر. فموضوعات السكان والمياه والتشريع البيئي والتنوع الحياتي والصناعة والزراعة في إطار البيئة والنفايات والمحميّات, كلها يجب معالجتها ضمن طريقة التفكير والتحليل على طريق التنمية والتوازن. فلا يمكن أن تقوم قائمة لأي عمل بيئي تنموي دون وجود المؤسسات.
نُلاحظ أيتها الأخوات والأخوة أن هناك تسارع للمشكلات البيئية في لبنان, من تعرّض الثروة المائية الى تدهور كبير, الى تلوُّث كثيف ينعكس سلباً على الصحة العامة, الى استعمال المبيدات والأدوية السامة والأسمدة من دون رقابة على الكمية والنوعية, الى دخول الفضلات والنفايات السامة بطرق غير شرعيّة وطمرها في لبنان ممّا يؤدي الى تلوّث المياه السطحيّة والجوفيّة.
إعتماداً على دليل منظّمة الصحّة العالمية للنوعية الجرثومية لمياه الشرب في لبنان في نهاية عام 1994, نجد أنّ نسبة 33% من الينابيع اللبنانية صالحة ويكون لدينا 67% غير صالحة. الآبار 36,7% صالحة و63,3% غير صالحة. خزانات الشرب 50,7% صالحة و49,3% غير صالحة, شبكة المياه 32,6% صالحة والباقي 60,2% غير صالحة. اذاً نستنتج أنه حوالي 60% من المصادر المائية الطبيعية لدينا من ينابيع وآبار وخزانات والشبكة المستخدمة لمياه الشفة وشبكات التوزيع ايضاً هي عرضة للتلوُّث الجرثومي. السؤال المطروح, هل يوجد في لبنان قانون للبيئة موضوع وفقاً لمنهجيّة موحّدة وهادفة الى تحديد مباديء وشروط المحافظة على البيئة وسلامة المواطن والناس ككل؟ نُجيب بأن هناك تشريعات متعدّدة ومبعثرة صدرت خلال الستين سنة الماضية في مواضيع مختلفة في قطاع البيئة وسلامة الانسان, إنّما لا تفي بأي غرض مطلوب.
بتاريخ 2نيسان 1993 صدر القانون رقم 216 الذي أحدث وزارة البيئة في لبنان والتي مركزها اليوم في أنطلياس. إن لبنان المعروف بغنى أنظمته الايكولوجيّة وتنوّع كائناته الحيّة أصبح اليوم معرّضاً لسوء استعمال الإنسان لموارده الطبيعية. فقد خسر لبنان معظم غاباته الطبيعية وباتت لا تتعدى 5% من مساحة ارضه. وانقرضت غالبية كائناته الحيّة مترافقة مع التدهور البيئي في كل المرافق وفي كل المناطق ايضاً, وذلك من جرّاء الفلَتان العامّ الذي عمّ البلاد, وانحسار الضّبط القانوني. اذاً لا تزال الملوِّثات قائمة, والأساليب والتقنيّات القديمة التي تسحب خيرات الطبيعة دون إعادة تأهيلها هي المتَّبعة. وإن الرؤية التنموية البيئية الصحيحة مازالت مكتومة, مما ينعكس تدهوراً بيئياً متسارعاً وخسارة بالموارد وقصر نظر بإدارتها.
لقد أعطى الخبير الإقتصادي مروان اسكندر مؤخراً صورة واضحة عن حجم الخسارة الكبرى للبنان خلال العقدين المنصرمين(من عشرين سنة الى الآن). تتمثّل في الكلفة الضائعة التي تقدَّر بالانتاج الممكن تحقيقه ولم يحصل. فقد بدّدنا بين العام 1975 والعام 1992 معدّل دخل يناهز 15مليار دولار سنوياً, أي ما يوازي 225مليار دولار على الفترة الزمنية كلها. وإذا أضفنا الخسائر الماديّة فيكون خسر الشعب اللبناني 250مليار دولار من احتساب تنمية مجتمعه وقطاعاته الإنتاجية والرقم كبير وخطير. من المضحك المبكي أيّها الأخوة والأخوات أن نرى التوزيع العشوائي اليوم والإنتشار الغير منظَّم بمختلف الصناعات, وخاصة بين المراكز السكنيّة. وكذلك هجمة العمليّات الفوضوية لمرافق صناعيّة متعدّدة ضارّة وملوِّثة للبيئة ذات نفايات سامّة ومواد خطرة, وقد حدّدها القانون رقم 64/88 وانّما لم تنفَّذ.
يستورد لبنان اليوم 90% من القمح و70% من الحليب بأنواعه وأصنافه المتعددة و85% من المواد الحيوانية. والفاكهة والخضار ليست مؤمّنة وغير كافية. وهذا العجز الغذائي في معظم القطاعات هو في طور التزايد إذا لم يتم وضع وضبط سياسة بيئية مطابقة لمفاهيم الغذاء والتنمية المطلوبَين. فحركة نمو البناء والعمران السريع من شأنهما القضاء سريعاً على ما تبقّى من أراضٍ زراعية خصبة. هذا ويشكّل الإسراع في تصنيف الأراضي الخطوة العمليّة البارزة للحفاظ على العقارات الزراعية المتبقّية. وقانون التنظيم المدني الصادر عام 1983 قد لحظ بصراحة هذه الامكانية. إذاً خلافاً لما هو شائع في نظر غالبيّة الناس وأذهان بعض الحاضرين, إن لبنان اليوم هو في مرحلة تصحُّر سريعة أيّها الأخوة نتيجة لقطع الأشجار والزحف العمراني على معظم الاراضي الزراعية وفي كل المناطق اللبنانية.
النفايات الصلبة والسائلة الناتجة عن نفايات المنازل والإدارات العامّة والمتاجر والمخازن والمطاعم, وفضلات الحديد والخشب وفضلات النسيج والبلاستيك والزجاج, وفضلات المستشفيات ايضاً من حقن وضمادات وغيرها, وهياكل السيارات واطارات المطاط إضافة الى فضلات البناء والاشغال والأتربة والحجارة, كل ذلك مما يُقدَّر الانتاج اليومي للنفايات الصلبة بمعدل الكيلو غرام للشخص الواحد.
كيف تتم معالجة هذه النفايات التي تتكاثر في بلدنا؟ في عام 1993 اقترحنا كجمعية لحماية البيئة والأتحاد العالمي للمحافظة على البيئة على وزير البيئة يومها إنشاء دائرة للإهتمام بالحياة البريّة والمناطق المحميّة, على أن يتم تمويلها من برنامج الأمم المتّحدة للتنمية (UNDP) وحدّد وقتها مناطق المحميّات الواجب حمايتها. كان منها مستنقع عمِّيط, محميّة بِنْتاعل الطبيعيّة, الشاطيء الرملي لمدينة صور, غابات الأرز في بشرِّي والضِنِّية والقْمّوع. لكن نظراً لمحدوديّة الميزانيّات وعدم توفّر الخبرات الكافية لإدارة هذه المحميّات ومراقبتها, قررت وزارة البيئة تركيز اهتمامها مرحلياً على حرش إهدن وعلى جُزر النخيل.
أخيرا أيّها الأخوة إن التوعية والتربية البيئية ووسائل الإتصال, هي طرق فعالة لإحداث التغيّر المطلوب في المؤسّسات الحكومية والجمعيات البيئيّة غير الحكومية. كما وأنّ تشجيع الأفكار الجديدة والإستعانة بمراكز ثقافيّة وعلى رأسها هذا المركز الكريم, والاستعانة بمراكز معلوماتيّة وإقامة معارض في المدن والقرى, واستصلاح الأراضي المتضرّرة وزرع الأشجار, حتى بناء أعشاش الطيور إذا أمكن, وتدوير النفايات وغيرها هذا ما يحتاج اليه المجتمع اللبناني في إطار التهيئة لمعايشة جو بيئي سليم. كما يجب أيّها الأخوة إدخال الأفكار والأسس البيئية في مختلف المواد التعليميّة, الى جانب المواد والبرامج الخاصة بالبيئة, وذلك في كل المراحل التعليميّة, لنخفّف من أزمات التلوّث المتزايدة. وشكراً.
ويسرني شخصياً ويسرّ المركز أن نلتقي مع زميل وصديق عزيز علينا وصاحب إختصاص في قضايا البيئة والتلوّث, لما يحمله من معلومات قد تفي بالغرض وتكمل ما قدّمت. لأن ما أقدمتُ على طرحه هو طرح عام ولم أدخل في التفاصيل. سأترك للزميل الدكتور ناجي قديح أستاذ وإختصاصي في قضايا البيئة والتلوّث أن يزوّدنا بما عنده وهو مشكور سلفاً على ما سيُعطي.
الدكتور ناجي قديح:
بدايةً أتقدّم بالشكر لصديقنا الكبير رئيس هذا المركز الثقافي النيِّر والذي تحول الى ملتقى لنقاش قضايا الفكر وقضايا الإجتماع وقضايا السياسة. وها هو اليوم يطرق, ليس لأول مرة, باب أهم موضوع يجتذِب اهتمام أوسع فئات الناس في لبنان والعالم. لن أكرر ما قاله صديقنا الكبير الاستاذ الدكتور حمد الطفيلي وهو من السبّاقين الى حمل راية الدفاع عن البيئة في لبنان. ومن السبّاقين لتنظيم النشاط الإجتماعي دفاعاً عن قضايا البيئة, ولا يزال يحمل هذه الراية حتى اليوم. ونحن ننضمّ الى هذه الجوقة تحت رعايته ورعاية أمثاله من نشطاء البيئة في لبنان. ولن أكرِّر ما قد تفضّل به من مواضيع عامّة وهي على علاقة مباشرة بطبيعة المسألة البيئيّة في لبنان.
أردت حواري معكم اليوم ليس مكتوباً, لكي لا يأخذ الموضوع شكل المحاضرة الاكاديمية. رغم أنني ساحاول تضمين حديثي قرائن علميّة تثبت ما نتوصّل إليه مع كل المهتمّين بموضوع البيئة في لبنان من استنتاجات, وبعضها خطير, حول المسألة البيئية في لبنان. أولاً سأطرح تساؤلاً, هل صحيح أننا في لبنان نواجه مسألة بيئية, مسألة بمعنى مشكلة؟
الواقع أنه على امتداد عشرين سنة ليست فقط البيئة في لبنان ما تعرض للتدمير, بل كل قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوعي. والبيئة ليست إستثناءاً في هذا المجال. فمرحلة الدمار التي استمرّت عقد ونصف من الزمن أو أكتر, تركت أثرها البالغ في البيئة اللبنانية, نحن اليوم فعلاً أمام صورة قاتمة. يطال الأثر السلبي للنشاط البشري الفوضوي والعشوائي كل عناصر البيئة دون استثناء, بدءاً من الطبيعة وصولاً للهواء الذي نتنشّقه وصولاً للمياه التي لا غنى عنها في حياتنا لا في غذائنا ولا في استخدامنا ولا في نشاطنا الاقتصادي. وصولاً الى تخريب مقوّمات الحياة الطبيعية والشروط الطبيعيّة للحياة, أي إحداث الخلل في التوازن الطبيعي الضروري لحياة الكائنات الحيّة في طبيعتها. لست متخصّصاً في هذا المجال, ولكن ليس سراً بأنّ العديد من الأنواع الحيوانية والبيولوجية من حشرات وأسماك وغيرها قد انقرضت أو هي في طريقها الى الإنقراض نتيجة الخلل الطبيعي البيئي الذي أحدثه التدخّل الفوضوي والعشوائي وغير المنظم وغير المدروس وغير العقلاني للنشاط الانساني خلال هذه السنوات بالتحديد وما يسبقها وما تلاها. ولا نزال اليوم أمام حدَّة المسألة نظراً لغياب الخطّة المتكاملة, ونظراً لغياب المنهجية الشاملة, ونظراً لغياب السياسة البيئية المنسجمة والمطلوبة لتُلاقي السياسة التنموية المفترضة. لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار والبناء, وعن إعادة وضع أسس للبنان عصري حديث دون إدراج في الخطّة, وليس ألحاقاً بها, سياسة بيئية شاملة ومتكاملة. والّا فإن خطّة النهوض ستكون غير متكاملة وغير مُحكَمة. وسنحاول أن نبيّن هذه العلاقة بنوع من التفصيل.
هنالك كلامٌ عن إعادة بناء البنية التحتيّة من طرقات وهاتف وكهرباء. هذا مهمّ جداً وضروري جداً ولكن إن لم تكن خطّة بناء الطرقات وتأمين الإتصالات الهاتفية وتوفير الطاقة الكهربائية محاطة بنظرة بيئية شاملة, سوف تتحول هذه الإنجازات الضرورية إلى إخلال إضافي في التدهور البيئي الذي نعيشه اليوم واقعاً. لماذا أقول هذا الكلام؟ إن لم نستكمل البنية التحتيّة لمياه الصرف, ولتأمين محطّات لتكرير هذه المياه ولمعاملتها وتصفيتها وإعادة استخدامها, نحن أمام مشكلة تتفاقم يومياً. والأرقام التي تفضل بها الدكتور الطفيلي حول تلوّث المياه تطال فقط, ليس لأطمئنكم بل لأستثير فيكم القلق الزائد, تطال فقط التلوّث البيولوجي (الميكروبي) الناتج عن التخلُّص غير العلمي والتخلُّص الفوضوي والمعادي للبيئة للمياه المبتذلة ومياه الصرف. وقد استحدثوا في لبنان مؤخراً طريقة إجرامية للتخلّص من مياه الصرف, وهي ما تُسمى بالبئر ذو القعر المثقوب. وهذا التعبير باللغة البيئية هو تعبير إجرامي, ويعني فَتح ثقب يصل الى مجاري المياه الجوفية مباشرة, ورمي مباشر للمياه المبتذلة في أحواض ومجاري المياه الجوفية. وهذا ما يؤدي الى ما نراه من أرقام مذهلة على امتداد الوطن اللبناني كله. وأنا اطّلعت مؤخراً على ملف لتقارير حول فحص مياه الشرب في كل مناطق لبنان من الشمال الى البقاع والجنوب وبيروت, وفي مستشفيات بيروت الكبرى وفي كبريات ثكنات الجيش اللبناني في زحلة وبيروت والجبل والجنوب وفي مختلف المناطق. نسبة التلوّث البيولوجي للمياه تزيد عن كل المعدّلات المعروفة وتفوقها بكثير. أي كل المواطنين المستهلكين حتماً لمياه الشرب يتعرّضون طوعاً لتأثيرات هذه الملوّثات من أمراض مُعدية وأمراض طفيليّات وأمراض المجاري الهضمية والخ.
ولكن أضيف بأنه في مفهومنا, نحن الأخصائيين الكيميائيين في السموم, يبقى التلوّث الميكوبيولوجي أقل خطراً من التلوّث الكيميائي الذي لا نزال في لبنان نغيّبه تغييباً كاملاً عن دراساتنا وأبحاثنا وتقديراتنا وكشفنا عن مياه الشرب. وخاصة في ظل هذه السياسة المنفلتة في التطوّر الاقتصادي التي عرفها لبنان خلال العشرين سنة الماضية. قد يكون البعض منكم يُدرك مدى تطوّر القطاع الصناعي المنفلت الذي نشأ خلال سنوات الحرب بدون أي ضوابط قانونية أو صحية, وبدون أي ضوابط معيارية حتى من الناحية التقنية. وينتج عن هذا الواقع اليوم رمي ألوف الأطنان من النفايات الصناعية وكثيرٌ منها يحتوي على مكوّنات عالية السميّة وعالية الإستقرار وعالية مؤشرات التراكم البيولوجي وعالية مؤشرات الخطورة على التوازن البيئي وعلى الصحة العامة. تُرمى بخفّة فظيعة في مياه البحر وفي مياه مجاري الأنهار وفي التجمعات المائية. أو تُرمى بشكل فوضوي في أحضان الطبيعة في الوديان وفي الأتربة دون أخذ أي إجراءات لا مسبقة ولا لاحقة للتحكم بهذه النفايات. وتتسرب حتماً وتؤدي حتماً الى تغيير الشروط الطبيعية للحياة في هذه الاوساط. مما يؤدي الى إبادة كاملة للعديد من الأنواع السمكية في مياه البحر, وخاصة في المكبّات التقليدية للمناطق الصناعية في منطقة "الزوق" وعلى امتداد الشاطئ حيث هناك مجمّعات صناعية كبيرة . وهذا الأثر السلبي للنفايات لا يقتصر فقط على الحياة البحرية بل هو يمتد دون أدنى شك. وأنا وضعت عنوان محاضرتي "إشكاليّة" بسبب أن هناك البعض الذي يشكّك, دون أن أدري ما هي المبررات, في حدة المشكلة المطروحة, ويجهدون للتخفيق والتقليل من أهمية هذه المشكلة. وفي بعض الأحيان يجهدون للتعمية عن التأثيرات السامّة البعيدة المدى لبعض هذه الملوّثات التي قد فُضح أمرها وأمر رميها الفوضوي والعشوائي في أحضان الأوساط البيئية. إذاً هذه المؤثرات السلبية لا تقتصر فقط على الحياة البحرية بل هي تمتد لتطال الصحة العامة للمواطن اللبناني, الذي هو على علاقة مستمرة ودائمة وطبيعية بالوسط المائي من خلال الاستجمام ومن خلال استعمال المياه لأهداف صحية أو لإستعمالها لأهداف غذائية في الدورة الغذائية للانسان. وإحدى أوجه المشكلة البيئية الصحيّة في لبنان أننا نفتقر الى إحصاءات والى دراسات والى أرقام نستطيع أن نحتكم اليها بدقّة في تقدير خطورة المشكلة. إذاً في لبنان نحن نؤكد بأن هناك نسبة عالية جداً من الأمراض المزمنة ومن تفاقم التأثيرات البعيدة المدى للسموم الكيميائية. واليوم في حديثٍ لمعالي وزير الصحة قد أشار, بإشارة بسيطة وسريعة, الى أنّ أمراض السرطان ازدادت تفاقاً في لبنان وأمراض القلب والأوعية الدموية كذلك. اؤكد لكم أيها الأخوة بأن إحصاءات منظمة الصحة العالمية المبنيّة على دراسات على امتداد الاربعين سنة الماضية, تؤكد بأن ثمانين بالمئة من حالات السّرطان الموجودة في العالم يعود سببها الى تأثيرات المواد الكيميائية السرطانية. إذاً ثمانون بالمائة من حالات السرطان هي ذات اثيولوجيا كيميائية, ونسبة قليلة جداً لا تتجاوز خمسة بالمائة أسبابها فيروسية, ونسبة قليلة أيضاً لا تتجاوز خمسة أو ستة بالمائة أسبابها إشعاعية (التعرض للإشعاعات المافوق بنفسجية), ونسبة قليلة جداً من الحالات أسبابها لاتزال مجهولة. ولكن نحن أمام واقع بأنّ ثمانين بالمائة من حالات السرطان أسبابها كيميائية. إذاً من الطبيعي أمام هذا الفلتان الكيميائي في لبنان والذي لا يشمل فقط البحر بل أيضا يشمل مجاري المياه السطحية ومجاري الأنهار والأحواض. وما جرى الحديث عنه منذ فترة قصيرة من تلوّث فظيع لمياه سد القرعون الناتج عن رمي كل أشكال وأنواع النفايات من صناعية وغيرها مباشرة في هذا المجمّع المائي المفترض أن يُستعمل لأهداف الرّي وأهداف إنتاج الكهرباء. درجة التلوّث في هذا المجمّع المائي أصبحت تهدّد إمكانية استخدام المياه لأهداف الريّ كذلك.
ويطال التلوّث أيضاً التربة اللبنانية, والدكتور الطفيلي سبقني الى الإشارة الى موضوع التصحّر, وهذا موضوع هام جداً ينتج بالطبع عن قطع الاشجار وتعرض الغابات للتدهور والحرائق وهجوم البنيان وقرض الاراضي الزراعية المحدودة في لبنان أساسا, وترك الأراضي الزراعية والتخلي عن استخدامها الزراعي وعن إعادة تخصيبها بالطرق العلمية الصحيحة. نحن نشير الى أنّ التربة في لبنان إضافة لمشكلة التصحّر تتهدّد بالخراب الناتج عن الإستخدام الفوضوي والعشوائي واللامنضبط واللاعقلاني لمئات آلاف الأطنان من أفتك المركّبات الكيميائية المستعملة كمبيدات زراعيّة, وما ينتج عن هذا الاستخدام من تراكم لكميّات كبيرة, ليس لبقايا فقط, من هذه المركبات المستقرّة. وأنا منذ بضعة أيام اطّلعت على ملف يتضمن لائحة بكل مركّبات المبيدات الزراعية المستوردة والمستخدمة في لبنان. لم أزل بعد في الصفحة الاولى واستطعت أن أحصي ثلاثة عشر مركباً ممنوعاً دولياً, فكيف إذا ما تابعت وهو يزيد عن ثلاثين صفحة. إستخدام الأدوية الزراعية بغياب الخطّة وبغياب العقلنة وبغياب الإشراف العلمي يشكّل المشكلة رقم واحد من الناحية البيئيّة في لبنان, والمشكلة رقم واحد في إنعكاسات هذه المشكلة على الصحّة العامة. نظراً أولا, للسميّة العالية لهذه المركبات. ثانياً, لأستقرارها الكيميائي الطويل لسنوات طويلة في مختلف الأوساط البيئية في الترية والمياه ونظراً لارتفاع مؤشّرات تراكمها في الأنسجة النباتية. ليست المسألة في ما قد رُشّ على الفاكهة أو الخضار من الخارج. المشكلة تكمن في ما تراكم داخل أنسجة هذه الخضار والفواكه من بقايا مبيدات سامّة لا يزيلها لا غسيل ولا نقع ولا استخدام أي وسيلة أخرى, وخطورة انتقال هذه الكميّات عبر الدورة الغذائية الى جسم الانسان. وتلك المركّبات الكيميائية ذات الخصائص التراكمية بالإمكان أن تتراكم ايضاً داخل جسم الإنسان وبشكل خاص في الأنسجة الدهنية, وهي ذات نسبة عالية في جسم الانسان. وما لهذه المركّبات من تأثيرات بعيدة المدى. وعندما نقول بعيدة المدى نقصد التأثيرات السرطانية والتأثيرات الطفريّة التي تُحدث تغييراً في التركيب الوراثي, والتأثيرات المنسليّة التي تحدث تأثيراً سمّياً على القدرة التناسلية وعلى القدرة الإنجابية وتحدث تخريباً في الاجهزة التناسلية للرجل والمرأة وتثير العقم. ونقصد ايضاً بالتأثيرات بعيدة المدى التأثيرات السميّة الجنينية التي تُسبب قتل الجنين في فترات التكوّن, أو التأثيرات المُسخيّة التي تُحدث تشوّهاً للجنين خلال مراحل تكونه الجنيني. إذاً نحن أمام أكثر الأنواع خطورةً من حيث التأثيرات السميّة. ولائحة المواد الكيميائية للمبيدات المستعملة في لبنان تعجّ بمثل هذه المركّبات التي تمتاز بكل هذه المواصفات التي ذكرت.
إذا ما تابعنا الحديث في هذا السياق نصل الى أن الهواء الجوي أيضاً ليس معفيّاً من التلوّث, وبشكل خاص في مناطق الاكتظاظ السّكاني في داخل المدن وفي المناطق السكنية المحيطة بالمجمّعات الصناعية. وهذا أحد أوجه الفوضى التنموية في لبنان ايضاً, أي وجود المؤسسات الصناعية الضخمة في داخل المجمّعات السكنية وعلى مقربة منها. من المعروف بأنّ الصناعات الثقيلة والصناعات الكيميائية والصناعات الملوِّثة مفترض أن تكون في مناطق معدّة سلفاً لأن تكون مناطق صناعيّة لها مواصفات معيّنة من حيث المسافة عن المناطق السكنية, ومحترمة مقتضيات الوقاية الصحية والحماية البيئية. أمّا في لبنان فنحن أمام واقع غياب كل هذه الاجراءات, ونرى مثلاً في منطقة الزوق "زوق مصبح" و"زوق مكايل" هناك مجموعة من الصّناعات وهي صناعات ليست خفيفة. وأنا أسمع مؤخراً بعض المعلّقين على هذا الموضوع بأن في لبنان صناعتنا تحويلية ولا تشكل خطورة. هذه الصفة لا تخفف ولا تقلّل من خطورة الوضع بالمطلق. منذ بضعة أيّام كنّا في زيارة لمصنع الألمنيوم في زوق مصبح "سيدم" وهذه صناعة تحويلية كما يُطلق عليها. هذا المصنع يرمي ألفاً وثلاثمائة طنّ يومياً من التفايات في البحر بشكل مباشر دون أي معاملة مسبقة لهذه المركّبات, والبعض منها مركّبات عالية الخطورة وذات تأثيرات بعيدة المدى. هذا نموذج, ولا أريد أن أتوقّف عند التفاصيل ولكن الوضع بشكل عام لا يختلف أبداً, عندما نقول صناعة تحويلية ليس معناه أنها صناعة لا تولّد نفايات صلبة وسائلة وغازيّة تحتوي على مركّبات عالية السّمية وعالية الخطورة وينبغي أن تخضع لمقتضيات الحماية البيئية والمراقبة الصحيّة. ويجب وضع المقاييس والمعايير وإتخاذ الإجراءات التكنولوجية والهندسية الضرورية لضبط مستويات هذه الملوِّثات بحيت لا تشكّل خطورة على صحة الإنسان ولا على التوازن البيئي.
إذا ما استكملنا حديثنا في هذا السياق نصل الى أنّ المواد الغذائية في لبنان ليست معفيّة من هذه المخاطرة. كما تفضّل الدكتور الطفيلي وذكر أننا في لبنان نستورد ما يزيد عن تسعين بالمائة من احتياجاتنا الغذائية. عدا عن مسألة الأمن الغذائي وضرورة وضع خطة زراعية توصل البلاد الى تأمين الأمن الغذائي على الأقل. ومساحة الأرض الزراعية تسمح بالوصول الى هذا الهدف إذا ما أُحسن وضع الخطّة مع مراعاة التوجّهات العلميّة في الإنتاج الزراعي. ليست المسألة على هذه الدرجة من التّعقيد, إسرائيل ليست أكبر منّا مساحةً ولا تتمتّع بمساحات أكبر من مساحاتنا للزراعة, بل هي تتمتّع بدون شك وبدون أيّ تقليل من أهميّة الموضوع بمستوى استخدام عقلاني وعلمي للإنتاج الزراعي ونحن بعيدين كل البعد عن المقارنة. وهنا أشير الى أنّ جانب الأمن الغذائي في خطّة التطوير الزراعي غير متوفر, وجانب الأمن الصحّي من الأنتاج الغذائي واستخدام المواد الغذائية لا أحد يعيره أي اهتمام كذلك.
رغم كل السياسة الناجحة لوزارة الصحة والتي تـتـركز باتجاه تأمين الشروط الأفضل للعلاج. نرى أنّ هناك غياباً كلياً, في الخطة الصحيّة وفي السياسة الصحيّة التي تُمارس اليوم في لبنان, لأي منحى وقائي يستهدف وضع اليد ومراقبة مستويات التلوّث في المواد الغذائية. أيّها الأخوة نحن نستهلك كل يوم الخضار والفواكه واللحوم والحليب والخبز دون أن يراقب أحد مستويات الملوّثات الكيميائية في هذه المنتوجات التي نأكلها بما فيها المواد المستوردة. هنالك اعتماد كلّي على الوثيقة الصحيّة الصادرة عن بلد المنشأ. ليس غائباً عنّا جميعاً أن 90%, إن لم يكن أكثر, من هذه الوثائق يتم تزويرها بكل بساطة. أنا لا أقول بأن كل الناس تزوِّر ولكن إمكانيّة تزويرها مسألة غير معقّدة وخاصة على كبار التّجار. إذاً كَون المواد الغذائية المستوردة مُرفقة بشهادة صحيّة من بلد المنشأ هذا لا يكفي بمنظورنا الوقائي الصحي, ولا يُعفي مسؤوليتنا عن القيام بمثل هذه الرقابة والإشراف لتحديد مستويات وجود المعادن الثقيلة في داخلها ووجود الملوّثات الكيميائية والحافظات ومضادّات الأكسدة وغيرها. وهناك سلسلة كبيرة من المركّبات تضاف الى المواد الغذائية المصنّعة. فقط على سبيل المثال, هناك لائحة طويلة من الملوّنات المصنّعة التي مُنع استخدامها في البلدان الأوروبية التي تحترم نفسها والواضعة سياسة رقابة صحيّة على المنتوج الغذائي لديها, وهذه المواد لا تزال تُستخدم أو تُصدّر الى بلادنا.
إذاً المسألة مطروحة على عدة مستويات. أولاً, أن نضع تشريعات. صحيح أن تشريعاتنا ليست فقيرة ولكن حتى اليوم نحن لا نملك أي تشريع يضع مقياساً لملوّث كيميائيّ لا في الهواء ولا في الماء ولا في المواد الغذائية ولا في التربة. المطلوب في سياق البحث عن خطّة للتحكّم في التلوّث الكيميائي بمختلف الأوساط البيئيّة أن نبدأ بوضع لائحة للمعايير والمقاييس وعلى ضوئها نبدأ بالمراقبة. وفي حين تكون المستويات أعلى من المستويات المقبولة والمثبّتة بالمقاييس يكون هناك إجراءات لمنع أو للحد من استخدام أنواع معينة من المواد الغذائية التي تتعارض مع الأمن الصحيّ.
وهذا إذا استمرينا في الحديث ممكن أن نصل الى المركّبات والمستحضرات الصّيدلانية. في لبنان سوق مفتوح وسوق حرة لاستيراد واستخدام الأدوية الصيدلانية. من المعروف أنه بالنّسبة الى عدد سكان لبنان, يدخل إليه كميّة هائلة جداً ومتنوعة من الأدوية. لا يوجد أي بلد أوروبي يتمتّع بذات النسبة. لدينا فائض كبير جداً من التنوّع الصيدلاني وهذا يطرح ايضاً مشاكله وله انعكاساته على الصحة العامة. طبعاً هذه المشكلة ليست في صلب موضوعنا حول البيئة ولكن أتطرّق إليها نظراً لعلاقتها المباشرة بالوضع الصحّي. هناك العديد من الأدوية يُحظر استعمالها مع بعضها البعض, ونجد في ظل الموضة اللبنانيّة أنّ اللبناني يعالج نفسه بنفسه وفي غالب الأحيان بدون الرجوع الى طبيب, يشخّص ويصف الدواء ويشتريه من الصيدلية ويستخدمه, وكل ذلك بمبادرة ذاتيّة وبدون أن يكون متخصّصاً. وهذه ظاهرة قد يكون لها أسبابها ولكنها ظاهرة تترافق معها مخاطر كبيرة جداً وخاصة لجهة تعارض الأدوية. وسأعطي مثل بسيط جداً بأنّ حبة دواء مضادّ الحموضة (Antacid) من منكم لا يأخذها بخفّة وبدون أي تردّد. هل تعلمون أنّ مضادّ الحموضة يُمنع استخدامه في حالة استخدام مسيّلات الدم مثل الأسبرين Aspirin والهيبارين (Hiparin) والكومارين Coumarin)), وذلك لأن مضادّ الحموضة يتعارض مع مسيّلات الدم. إذاً حتى الأدوية البسيطة من المفروض أن نأخذ بعض المحاذير عند استهلاكها, طبعاً هذا خارج الموضوع.
نعود الى إشكاليّة التلوّث, إذاً أمام هذه الصورة التي استعرضناها من مياه شرب ملوّثة بيولوجياً وكيميائياً, وهواءٌ في المدن ملوّثٌ بسبب مداخن المصانع المحيطة ومداخن السيّارات في ظل كثافة سير في داخل المدن. بيروت فعلاً تعاني من درجة عالية جداً من تلوّث الهواء الجوّي فيها الناتج عن عوادم السيّارات. وخاصة في ظل المستوى التكنيكي للسيارات في لبنان وغياب الرقابة التكنيكية المنتظمة وفي غياب ضبط عمل المحرّك بشكل منتظم, وفي غياب الرّقابة على محتويات مواد الحرق التي نستعملها أي الوقود. ففي هذه العفويّة والفوضويّة, غازات عوادم السيارات تحتوي على مركّبات الرصاص عالية السميّة وبعيدة المدى, وعلى غاز أوكسيد الكربون السام والخانق, وعلى غازات أوكسيدات الأوزون ايضاً الخانقة وعلى أوكسيدات الكبريت التي لها تأثيرات على الجهاز التنفسي وتثير تحسّسات وردّات فعل تحسّسية في الجهاز التنفسي من ربو (Asthma) وضيق نفس. وما ينتج عن حالات ضيق النفس الناتج عن أوكسيد الكبريت من مضايقات على نشاط عمل القلب. أحياناً في علم السموم يكون التأثير على جهاز القلب والدورة الدمويّة هو تأثير ثانوي, أي ناتج عن التأثير الأولي, وأيّ خلل في وظيفة التنفّس ينعكس على الوظيفة السليمة لعمل جهاز القلب والأوعية الدموية. إذاً نحن أمام مشكلة شاملة من حيث اتّساعها, وحادّة من حيث عمقها. وتفترض ضرورة وجود خطّة متكاملة وشاملة تتعاون فيها كل قطاعات وأجهزة الدولة المعنيّة بالحماية البيئيّة وليس وزارة البيئة وحدها. تم تأسيس وزارة البيئة عام 1993 أي منذ سنتين تقريباً, ولا تزال وزارة ناشئة وحديثة. مجرد قيام الوزارة مؤشر ايجابي جداً, ولكن هذا الوضع الذي عليه الوزارة اليوم لا يبشّر بأي خير بالمطلق. وزارة لا تزال غير مُهيكلة وغير منسّقة وتفتقد الى العنصر البشري والعنصر الإداري وتفتقد الى الخطّة والى السّياسة والى المنهجيّة. مجرد وجودها نعتبره إنجاز إيجابي جداً ولكن يُفترض استكمال هذا الإنجاز بتحويله فعلاً الى أداة للإحاطة بالوضع البيئي في لبنان.
الوضع البيئي لا تقتصر مسؤوليته فقط على وزارة البيئة, هناك وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد والعديد من الوزارات والقطاعات التي لها علاقة مباشرة بموضوع البيئة. من هنا نرى بأنه يجب وضع الخطّة الشاملة للإحاطة والتحكّم بالوضع البيئي في لبنان, والتمكّن من وضع التلوّث تحت التحكّم والمراقبة وفي إطار المستويات المقبولة صحيّاً. يُفترض تظافر جهود كل هذه القطاعات في إطار مركزي كما هو في البلدان الأخرى. وهذا الكلام يبقى معزولاً الى حدٍ كبير بحيث أنّ هناك محاولات للتنسيق بين الوزارات ولكن تبقى خجولة حتى الآن وغير مُقنوَنة الى حدٍ كبير. أمّا المفروض كما في البلدان الأخرى, أن يكون هناك مركز للرّقابة والحماية البيئيّة يشتمل على أقسام يتشابك عملها مع كل الوزارات التي ذكرت والتي ذات علاقة مباشرة بموضوع البيئة. ولهذا نقول بأن الخطّة التنمويّة المفترضة للبنان وخطّة النهوض الاقتصادي والإجتماعي والزراعي والثقافي والتعليمي والتربوي لا يمكن لها أن تكتمل إلّا إذا كانت تحتوي على خطّة تنمويّة بيئيّة. وللبيئة دخل وتداخل مع هذه القطاعات بدون أي لُبس.
لا يمكن الحديث عن التنمية السياحيّة في لبنان دون الحديث عن تنمية بيئيّة. التنمية السياحيّة لا تقتصر فقط على بناء الفنادق وتحسين الطرقات والشوارع. السياحة تفترض حماية ورقابة بيئيّة وسياسة متكاملة للتخفيف من التلوّث الى مستويات تُصبح معها مقبولة وغير خطيرة على الصحة العامة. لانّه مَن سيأتى الى بلدنا للسياحة إذا كانت مياهنا غير صالحة للشرب, وإذا كان هواؤنا غير صالح للتنفّس, إذا كان بحرنا غير صالح للسباحة فية؟ إذاً نحن نرى أنّ التوظيفات في مجال التنمية البيئيّة هي توظيفات استثماريّة تنعكس إيجاباً على إنعاش كل القطاعات الإقتصاديّة الأخرى. وكذلك الأمر في الصناعة, كيف يمكن أن نتمكّن من تطوير صناعة واختراق أسواق خارجية لتصدير صناعتنا أو لمنافسة المستوردات الصناعية لدول أخرى في السوق المحلّي وفي الأسواق المحيطة إن لم تكن صناعتنا مبنيّة على مقاييس حديثة وعالميّة, ليس فقط من الناحية التكنولوجيّة بل أيضاً من الناحية البيئيّة؟ وهذا الكلام أيضاً يصُح على الإنتاج الزراعي, من المعروف أنّ إنتاجنا الزراعي لن يتمكّن من المنافسة لا داخلياً ولا خارجياً ولا إقليمياً إن لم يراعي العوامل البيئيّة والمؤشّرات البيئيّة ومستويات بقايا المبيدات الزراعيّة وبقايا المركّبات الكيميائيّة من نترات (Nitrate) ونتريت (Nitrite) ومعادن ثقيلة في داخله. وهنا نعطي مثل بسيط, قبل ثلاثة أشهر حصلت حادثة واقعيّة, بعض المستوردين والمصدّرين تعاقدوا على تصدير كل الإنتاج الوطني من "القرنبيط" الى الولايات التحدة الأميركية, وهي صفقة كانت جيدة من حيث مؤشّراتها الإقتصاديّة والأسعار والشروط. ولكن بعد توقيع العقود وما الى ذلك, وبعدما فُحصت عيّنة من هذا المنتوج في المختبرات الأميركيّة جرى رفضها بالكامل لأنها تحتوي على مستويات من المبيدات والمركّبات الكيميائيّة تفوق بكثير المعدّلات المقبولة. إذاً إنْ لم نراعِ هذه المعايير وهذه المقاييس سيكون سوقنا الدّاخلي معرّضا للمنافسة الأجنبيّة, منافسة لإنتاجنا الزراعي في استهلاكنا اليومي. وهذا أيضاً منحى جديد نشهده في أوروبا, بأن هناك المعيار الإيكولوجي (Ecological) للأنتاج الزراعي. اليوم بائع الخضار كي يسوّق لبضاعتة ويروّج لها أكثر يضع عليها عبارة نظيفة بيئياً (إيكولوجياً), يعني لا تحتوي على مركّبات كيميائيّة أو بقايا مبيدات. نحن اليوم إذا عرّضنا إنتاجنا الزراعي إلى هذا الإمتحان سيسقط حتماً وسنتردد حتى في إستهلاكه ولو مضطرّين. إذاً التنمية الإقتصاديّة في لبنان, إنْ كان زراعياً أو صناعياً أو سياحياً أو خدماتياً, تفترض أن تُعار المسألة البيئيّة الإهتمام الضروري. وأن نبدأ فعلاً بوضع الخطّة الشاملة للتحكم بمشاكلنا البيئيّة ووضع الحلول لها. أكتفي بهذه الإشارة السريعة لبعض المسائل الأساسيّة في الموضوع البيئي تاركاً المجال للنقاش حول المسائل التي ترونها هامّة والتي فاتني أن أتوقف عندها. وشكراً.
ـــــ نُعطي الكلام لرئيس المركز الدكتور مصطفى الدندشلي ليُعلن عن خبر هام.
الدكتور مصطفى دندشلي: قبل فتح باب النّـقاش, لو سمحتم لي, أودّ أن أعلن عن ندواتنا المقبلة. كما سبق وقلت نحن ننوّع حتى نطال أكبر عدد ممكن من الجمهور في المنطقة. الموضوع المقبل هو مهم أيضاً "مشكلات الشباب في مجتمع لبنان المتغيّر". يوم الأربعاء في 3أيّار 1995 الساعة الرابعة بعد الظهر. وقد حدّدنا هذا التوقيت لأنّ الطلاب والطالبات احتجّوا كثيراً على توقيت الساعة السادسة. فكثيراً ما يأتيني إعتراض من الطّلاب والطّالبات الذين يسكنون في المناطق البعيدة, فمثلاً يقولون لنا: "الموعد عند الساعة السادسة, ونصف ساعة قبل بدء الندوة, ومدة اللقاء ساعتين فتصبح الساعة الثامنة والنصف وهذا متأخر بالنسبة لنا". وبما أنّ الموضوع هو موضوع شباب لذلك سيكون عند الساعة الرابعة بعد الظهر. طبعاً بعد ذلك هناك موضوع آخر وهو "الحركة النسائيّة في مدينة صيدا" وطبعاً جاري التحضير له.
المحاضرين بالنسبة الى مشكلات الشباب هم: الدكتور زهير حطب, الدكتور عبّاس مكّة والدكتورة خيريّة قدوح. بعد ذلك طبعاً ننتقل الى الإستحقاق الرئاسيّ وإنتخابات رئاسة الجمهوريّة, ونحضّر ندوة عامة في المستقبل القريب. وطبعاً كل هذة الندوات سيُعلن عنها في حينه. شكراً.
الدكتور حمد الطفيلي: نشكر الحضور على صبرهم وعلى تحمّلهم ما ورد على لساننا جميعاً. ونشكر الدكتور مصطفى دندشلي على استضافتنا الكريمة في هذا المركز الهام. وننوّه أيضاً بما تناوله صديقنا الدكتور ناجي قديح من ملوّثات وحالات فوضى بيئيّة ثابتة في لبنان. مَن يرغب بطرح بعض الأسئلة ومَن يريد أن يتقدّم بمداخلة بما لا يزيد عن دقيقتين, الباب مفتوح للجميع. تفضلي سيّدتي.
سيّدة من الحضور: أحد المهتمّين بمزارع الدجاج قال لي: "لديّ كتاب أميركي يتحدّث عن الإهتمام والتطوير والتنمية في هذا المجال. وهناك نوع من الأدوية تُعطى وأبرز حسناتها مذكورة خلال الكتاب. إنّما في نهاية الكتاب, ونتيجةً لأبحاث, حذّر الكتاب نفسه من خطورة استعمال هذا الدواء. والكتاب إصدار عام 1982. وقال لي أيضاً أنّ هذا الدواء لا يزال يُستعمل في لبنان. وهو من الأشخاص الذين لايزالون يستعملون هذا الدواء مع اتّزان. أي ذات الكتاب أعطى أبحاثه في بدايته عن أهميّة هذا المستحضر, إنّما في نهاية الكتاب حذّر من خطورة الإستعمال وذلك بعد أبحاث. فنحن الآن في العام 1995, ومنذ العام 1982 الى الآن لا يزال يُستعمل دون معرفة كثير من المهتمّين بهذا الموضوع, بأن هذا الدواء يشكّل خطر على الصحّة العامّة. فما رأيكم في هذا؟
الدكتور حمد الطفيلي: نحن في البلد بحاجة الى مختبرات علميّة واختصاصيين بكل المجالات. بداية من فحص المنتوجات الغذائيّة على أنواعها الى فحص الملوّثات في الهواء والماء وغيره . فنحن لا نستطيع أن نخيف الناس ونقول أن البلد موبوء, إنّما نحن لدينا مشاكل بيئيّة صعبة. فنحن لم نتناول في موضوعنا اللّحوم المستوردة والفرّوج بما يحمله أيضاً من خلال التحلّل الذي يتم عبر نقله من براد الى براد الى شاحنة حتى يصل الى المستهلك. وقبل أن يصل الى المعامل يكون قد مرّ بعدة حالات تحلّل وسبّب عدة حالات من الأمراض, وهذا مثل واحد فقط. وأنا أقترح أن تُـقدّم هذه كتوصيات, كل الحالات التي يشعر فيها المواطن بأنها تشكل خطر مباشر على الصحّة العامّة, تُرفع بكتاب ومذكّرة الى وزير الصحة إذا كانت صحيّة, واذا كانت تتعلق بالحقل الزراعي والانتاج الزراعي تٌرفع الى وزير الزراعة, وإذا بيئيّة مباشرة فمن اختصاص وزير البيئة وتُرفع له. وظيفة أي وزير أو أي جهاز وزارة أو مؤسّسة هو الإهتمام بشؤون الناس والحفاظ على سلامتهم والتعاطي معهم من خلال طرح المشاكل وإيجاد حلول لها. عمل الوزير أن يحلّ المشاكل التي تعترضه وهذه الأمور وغيرها الكثير قابلة للحل عن طريق المسؤولين طبعاً.
سيدة من الحضور: هل لدينا مركز أبحاث يعود للدولة ويقوم بتحليل المستحضرات والتركيبات والمواد, وتكون مرجعيته الدولة؟
الدكتور حمد الطفيلي: لدينا مركز للدولة ومجلس إدارة كبير "مركز البحوث العلميّة", ولدينا مراكز في المختبرات والجامعات الوطنية وغيرها مثل الجامعة الأميركية, وهناك مختبر حديث أُنشئ منذ سنتين وكنت قد حضرتُ تدشينه, وهو فعلاً مهم جداً ويتناول كل النواحي السميّة وخاصة على صعيد المياه وغيرها, ولديهم أجهزة متطوّرة .
الدكتور ناجي قديح: لو سمحت لي فيما يتعلق بموضوع الدواجن الذي تعرّضت له السيدة. هذا الموضوع لم أتطرّق له أبداً. مزارع الدواجن في لبنان يزداد عددها وتكثر الطلبات على إنشاء مزارع جديدة. هذه المزارع يترافق معها نوعين من المشاكل. المشكلة الأولى, ما ينتج عنها من ملوّثات غازيّة, أي من روائح وخاصة غاز "هيدروجين الكربون" ومركّبات الكبريت وغيرها ذات الرائحة الكريهة والبعض منها له تـأثيرات سامّة. طبعاً المشكلة الثانية تنتج عن تقنيّات التخلّص من نفايات الطيور, وهناك تقنيّات متوفرة. ولكن هل يجري احترامها في كل المزارع أم لا؟ هذه مسألة ينبغي الاشراف عليها. والموضوع الثاني الذي يترافق بمخاطر هو العلف, وهذه مشكلة ليست فقط في لبنان بل هي مشكلة عالميّة. لذلك هناك معايير ومقاييس تحدّد مستوى المضافات على العلف المسموح فيها, ويضيفون الهرمونات والمضادّات الحيوية ومواد "انابوريك" ومنشّطات النمو ومواد حافظة للماء (Antidioritant) من أجل النمو السريع للطير في فترة محددة. كل هذه المواد تكون غير مضرّة إذا بقيت في حدود ونسبة مقبولة, أمّا إذا تجاوزت الحدود المقبولة واستُخدمت بعشوائيّة وبدون رقابة ممكن أن تتحوّل الى مواد ضارّة للمستهلك الذي يأكل هذه اللحوم. وهذه مشكلة بالمناسبة ليست عندنا فقط, فهناك مشكلة طرأت بين أميركا وأوروبا حول موضوع لحوم البقر. وأوربا اعترضت على استيراد لحوم البقر الأميركي, أو العكس, لأن فيها نسبة هرمونات عالية جداً. نحن لسنا ضد استخدام هذه المواد ولكن ينبغي مراقبة مستوياتها واحترام مقاييس محددة صحّية لها.
سيدة من الحضور: الدجاج مثلاً يطعمونه ليلاً نهاراً دون نوم, وفي عمر الخمسة وأربعين يوماً يُطرَح في السوق.
الدكتور ناجي قديح: أجل يعطونه هرمونات ومضاد حيوي (Antibiotic) وغذاء مركّز.
الدكتور حمد الطفيلي: من لديه أسئلة؟
سيّد من الحضور: نحن لدينا اليوم مشكلة بيئيّة في لبنان وهي النفايات, وتطال قطاع محدّد من البلد أي بمناطق محددة. بينما المشكلة التي تكلمتَ عنها (القرنبيط) تطال كل الخضار والثمار اللبنانية على طول لبنان وعرضة. الأخ المهندس مصطفى عنتر نبّهنا منذ فترة عن (اللوبياء). قال أن بعض الشركات اللبنانية الموجودة في صيدا ومناطق أخرى تضيف مواداً الى اللوبياء تحديداً, وقد تكون أكثر من سامّة لذلك أحجمنا عن أكلها. وحضرتكم بما تملكونه من الثقافة العلميّة والبيئويّة ننتظر منكم تحرّكاً. وذلك بأن تنبّهوا اللبنانيين عبر وسائل الإعلام والنشرات والصحف بأن منتج ما (خبار, بندورة.. ) يحتوي على المواد التالية فلا تأكلوا منه, ويكون هناك تحرّك فعلي من قبل هذه الهيئات.
سيّد من الحضور: موضوع البيئة هو موضوع جديد في وعي الجماهير. لو لم تحدث قضيّة النفايات السامة, لما أعطينا موضوع البيئة الأهميّة التي نُبديها الآن. هنا نأخذ على البيئيين عدم تعاطيهم بجديّة مع مسألة طرح هذه المواضيع مسبقاً بوسائل الإعلام. المسألة الثانية, طرح موضوع البيئة كأولويّة, دائماً الشعب اللبناني في أزمة, إن كانت هذه الأزمة سياسيّة عامّة أو اقتصاديّة منعكسة على حياته, فلا يعطي الأولويّة لمسألة البيئة. وباعتبار أن هناك أولويّات, فمَن يُصاب بالسرطان لا يفكّر بمعالجة الزّكام مثلاً. فمن هنا ضرورة تأكيد البيئيّين على هذه النّقطة وإعطاء الأولويّة لها, كي يفكر الشعب اللبناني على المدى البعيد وليس على المدى القريب. هناك أيضاً مسألة الإنفصال في وعي الناس ما بين التطبيق والنظرية. المثقفون دائماً يطرحون مسائل البيئة, لكن حين نخرج الى الشارع نأكل الشاندويش ونرمي الورق على الطريق.